أحدث المقالات
أية اليوم
“إِلَّا أَنَّ الرَّبَّ أَمِينٌ؛ فَهُوَ سَيُثَبِّتُكُمْ وَيَحْمِيكُمْ مِنَ الشَّرِّ.” ‮‮تسالونيكي الثانية‬ ‭3:3 .

اتصل بالكنيسة

تــرك كـــل شــئ :

” فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لى تلميذاً” (لوقا 33:14).

إذا أراد أحدنا أن يكون تلميذاً للرب يسوع فعليه أن يترك الكل. فكلمات المخلص هذه واضحة المعنى لا تقبل مواربة ولا تحويراً. ومهما كان اعتراضنا على هذا الطلب “المتطرف” ومهما ثرنا على هذه السياسة “المستحيلة” “غير الحكيمة” ، تبقى الحقيقة ناصعة قاطعة، وهى أن كلمة الرب هذه صريحة حتمية وهى تعنى ما تقول: ولنلاحظ بادئ ذى بدء أنه يجب علينا أن نجابه هذه الحقائق الصادقة الهامة:

1. أن يسوع لم يقدم هذا المطلب إلى نخبة مختارة من الخدام المسيحيين بل قال ” كل واحد منكم…” 

2. ولم يقل إننا يجب أن نكون راغبين فى أن نترك الكل بل قال ” كل واحد منكم لا يترك….”

3. ولم يقل إننا يجب أن نترك جزءاً من أموالنا، بل قال ” كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله….”

4. ولم يقل بنوع من التلمذة المخففة التى تتيسر للإنسان الذى يتمسك بأمواله وكنوزه، بل قال “….. لا يقدر أن يكون لى تلميذاً”.

وفى الحقيقة يجب ألا ندهش لهذا المطلب الضرورى المُلح، كما لو كان المطلب الوحيد من نوعه فى الكتاب المقدس كله.

ألم يقل الرب يسوع :” لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزاً فى السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون” ؟

أو كما قال وسلى بحق ” قد حّـرم الرب يسوع اكتناز الكنوز فى الأرض كما حـّرم الزنى والقتل.”

ألم يقل الرب أيضاً: “بيعوا ما لكم واعطوا صدقة” (لوقا 33:12)؟ ثم ألم يقل للشاب الغنى :” بع كل مالك ووزع على الفقراء فيكون لك كنز فى السماء وتعال اتبعنى” (لوقا 22:18)؟

فلو لم يكن يعنى تماماً ما قاله فماذا كان يعنى إذن؟

أليس هذا ما فهمه المؤمنون فى كنيسة العصر الأول حتى إننا نقرأ عنهم ” والأملاك والمقتنيات كانوا يبيعونها ويقسمونها بين الجميع كما يكون لكل واحد احتياج” (أعمال 45:2) ؟ أو ليس هذا ما فعله كثيرون من قديسى الله على مر الأعوام فأطاعوا هذه الوصية بجملتها وتركوا كل شئ وتبعوا يسوع؟

هكذا فعل انطونى نورس غروفس وزوجته – وهما من طلائع المرسلين إلى بغداد بالعراق- إذ اقتنعا بأن عليهما أن لا يكنزا كنوزاً على الأرض، بل أن يكرسا كل دخلهما الكبير جداً لخدمة الرب.

وهكذا فعل شارلى ستد إذ صمم أن يقدم كل ما يملك للمسيح، وأن يغتنم الفرصة الذهبية التى فشل الشاب الغنى فى اغتنامها عندما عرضها عليه الرب. وقد عمل “ستـد” بالوصية حرفياً، فوزع ألوفاً من الدولارات لعمل الرب وأبقى ما يعادل 9588 دولاراً لعروسه. ولم تكن هى أقل منه استعداداً للتضحية والبذل، فابتدرته بالسؤال قائلة: “شارلى! ماذا قال يسوع للشاب الغنى؟”

أجاب: قال له “بع كل ما لك”

قالت: فلنبدأ إذاً بتنفيذ وصايا الرب من وقت زفافنا. فكان أن قدما مالهما للارساليات المسيحية.

وهذا هو روح التكريس الذى ملأ قلب جيم إليوت، فكتب فى مذكرته يقول: ” يا أبى السماوى، اجعلنى ضعيفاً بحيث لا أستطيع أن أمسك بيدّى أى شئ زمنى، واجعلنى يارب غير متمسك بحياتى ولا بصيتى ولا بممتلكاتى. يا أبى اجعلنى أفقد حبى لكل عزيز محبوب سواك. فكم مرة أرخيت قبضة يدى عن شئ لأربح شيئاً أثمن منه تحقيقاً لرغبة حسبتها بريئة. ومُـّد يارب يدى عوضاً عن ذلك لأقبـّل مسمار الجلجثة كما مّد المسيح يديه، حتى إذا تركت الجميع أستطيع أن أنجو من كل ما يربطنى ويقيدنى. وكما أن ابنك المبارك أخلى نفسه وترك السماء، وهو المساوى لك، كذلك دعنى أنا أيضاً يارب أن أتخلى عن كل ثمين مرخياً قبضتى عن كل ما أتمسك به.”

قد نظن أنه من المستحيل علينا أخذ كلمات الرب هذه حرفياً، وقد توحى إلينا قلوبنا أننا لو تركنا كل شئ نموت جوعاً، وتحضنا على أن نذخر لمستقبلنا ومستقبل أولادنا وأعزائنا، ونتساءل: لو ترك كل مسيحى كل شئ فمن ينفق على عمل الرب؟ وإن لم يكن بعض المسيحيين أثرياء فكيف يتسنى للانجيل أن يصل إلى الطبقات العليا من الناس؟ ونسترسل فى الجدل والبحث لنقنع أنفسنا أن الرب يسوع لم يكن يعنى ما قاله.

وفى الواقع، إن إطاعة وصية الرب هى أحكم أمر، لأن النفس المطيعة له تحظى بالفرح الحقيقى. ويشهد الكتاب المقدس – كما يشهد الاختبار- أن الرب يسد أعواز كل من بذل لأجل المسيح وضحى، فالله يعتنى، ولا شك، بكل من اطاعه ويهتم بأموره.

لاشك أن من يترك كل شئ ويتبع المسيح لن يصبح مسكيناً يتضور جوعاً ويتسكع فى الشوارع منتظراً أن يعوله اخوته المسيحيون، بل يكون:

1. مجتهداً نشيطاً يعمل بجد وهمة لسد مطاليب احتياجاته واحتياجات اسرته.

2. ومقتصداً معتدلاً فيعيش على مبادئ اقتصادية معتدلة ما أمكن بحيث يعطى كل ما يزيد عن حاجاته الضرورية لعمل الرب.

3. وبعيد النظر فلا يجمع ثروة على الأرض بل يكنز كنوزاً فى السماء.

4. وواثقاً بالرب مسلماً المستقبل بين يديه، فبدلاً من أن يصرف شبابه وأفضل سنى حياته فى جمع ثروة تسد أعواز شيخوخته، يقدم قوة الشباب وأفضل أيام العمر لخدمة المسيح ويثق به للمستقبل، مؤمناً بأنه إذ يطلب ملكوت الله وبره لن يكون فى حاجة إلى طعام أو لباس لأن هذه كلها تزاد له (متى 33:6).

ثم إنه لا يؤمن بادخار القرش الأبيض لليوم الأسود وحجته فى ذلك ما يأتى:

1. كيف يمكن أن نحتفظ بالمال ونذخره للمستقبل المجهول، فى حين يمكننا أن نستعمله حالياً لخلاص النفوس؟ ليسأل هذا نفسه ” من كان له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجاً وأغلق أحشاءه عنه فكيف تثبت محبة الله فيه” (1يو 17:3)؟ 

ثم تأملوا وصية الرب العظمى المهمة – أن “تحب قريبك كنفسك” (لاويين 18:19). فهل نتمم هذه الوصية إن كنا نترك أقربائنا يموتون جوعاً، بينما نحن نأكل ويفضل عنا الخبز؟ هل استعين بواحد ممن اختبروا فرح عطية الله التى لا يعبر عنها واسأله: “هل ترضى أن تستبدل بهذا الاختبار مائة عالم ؟” إذن علينا ألا نحرم الآخرين من الوسائط التى تمنحهم حياة التكريس وتعزية السماء.

2. لو كنا نؤمن حقاً أن المسيح آت ثانية لكرسنا أموالنا لخدمته، وإلا تعرضت هذه الأموال لقبضة ابليس، وقد كان بالإمكان استعمالها لبركة الكثيرين.

3. كيف نستطيع أن نصلى بضمائر مخلصة طالبين من الله أن يدبر المال اللازم لعمله، ونحن نأبى أن نستخدم أموالنا لهذا الغرض؟ فلو كرسنا كل مالنا لأجل المسيح لانقذنا أنفسنا من الرياء فى الصلاة.

4. كيف نقدر أن نعلم الآخرين مشورة الله، إن كانت هناك حقائق كهذه نقصـّر عن اطاعتها وتنفيذها؟ فإن حياتنا فى مثل هذا التقصير تعطل شهادة أفواهنا.

5. إن رجال العالم الماهرين يحتاطون للمستقبل. فسلوك كهذا يكون بالعيان لا بالإيمان. أما المسيحى فمدعو لحياة الاعتماد على الله. فإن كان ينصرف إلى جمع الكنوز على الأرض، فكيف يختلف عن أهل العالم وطرقهم. ويتذرع هؤلاء بحجة اذخار المال لمستقبل عائلاتهم، خوفاً من أن يصبحوا شراً من غير المؤمنين. ويقتبسون عادة العددين التاليين لتأييد هذا الرأى:

“…….لأنه لا ينبغى أن الأولاد يذخرون للوالدين بل الوالدون للاولاد” (2كو 14:12)

“إن كان أحد لا يعتنى بخاصته ولا سيما أهل بيته فقد أنكر الإيمان وهو شر من غير المؤمن” (1تيمو 8:5)

ودراسة دقيقة لهذين العددين نتبين بأنهما يعالجان موضوع الحاجيات الضرورية اليومية، ولا يشيران إلى الضمانات المستقبلية.

ففى العدد الأول يستخدم بولس أسلوباً تهكمياً تشبيهياً. فهو الأب وأهل كورنثوس المؤمنون أولاده. وهو لم يثقلهم مالياً، مع أنه كان يملك كل الحق فى أن يفعل ذلك بصفته خادم وعبد للرب. وكان علاوة على ذلك، أباهم فى الإيمان، والآباء عادة يذخرون لأجل الأولاد، لا الأولاد لأجل الوالدين. فالموضوع ليس موضوع اذخار الوالدين لمستقبل الأولاد، لأن الفصل بجملته يختص بسد حاجات بولس الحاضرة، لا بضروريات مستقبله التى قد تنشأ فيما بعد. وفى ( 1تيموثاوس 8:5) يعالج الرسول موضوع العناية بالأرامل. وهو يشدد على أن أقرباءهن مسؤولون عن العناية بهن. فإن لم يكن لهن أهل، أو قصّر أهلهن فى مسؤولياتهم نحوهن، فعلى الكنيسة المحلية أن تعتنى بهؤلاء الأرامل المسيحيات. إذاً ترى هنا أيضاً أن الموضوع يختص بالاحتياجات الحاضرة، لا بضروريات المستقبل.

إن المثل الأعلى الذى يقدمه الله هو أن أعضاء جسد المسيح يجب أن يهتموا بالحاجات الضرورية الحاضرة لإخوتهم المؤمنين.

وقد شرح بولس الرسول هذا الأمر فبين أنه يقصد المشاركة والمساواة فقال ” فإنه ليس لكى يكون للآخرين راحة ولكم ضيق بل بحسب المساواة. لكى تكون فى هذا الوقت فضالتكم لاعوازهم كى تصير فضالتهم لاعوازكم حتى تحصل المساواة” (2كو 13:8- 15).

عندما يقتنع المسيحى بوجوب الاذخار للمستقبل، يواجه صعوبة تقدير الكمية التى سيحتاجها ومن ثم ينفق حياته فى السعى لجمع ما قدره. وبهذا يحرم نفسه من فرصة تقديم أحسن ما عنده للرب يسوع المسيح وعندما يصل إلى نهاية حياته التى سبق أن أتلفها، يجد أنه أخطأ فلو كرس نفسه لخدمة المخلص لما أحتاج شيئاً لأنه هو يسد كل حاجة.

ولو أخذ كل المسيحيين كلمات المسيح حرفياً، لما كان هناك عجز ولا نقص فى المال اللازم لعمل الرب، بل انتشر الانجيل بقوة متزايدة إلى أبعد الحدود. ولو وجد أى تلميذ فى حاجة لسـّر تلاميذ المسيح الآخرين أن يشاركوه بما عندهم . ومن السخف القول بأنه لابد من وجود مسيحيين أثرياء ليصل الانجيل إلى الأثرياء فى العالم. فإننا نقرأ أن بولس أوصل الانجيل إلى بيت قيصر وهو سجين (فيلبى 22:4). فإن أطعنا الله نثق بأنه يرتب كل شئ.

إن مثال الرب يسوع قاطع ونهائى فى هذا الأمر. لأن العبد ليس أفضل من سيده. فلا يليق بالعبد أن يسعى لكى يكون غنياً وعظيماً ومكرماً فى هذا العالم الذى فيه عاش سيده فقيراً وضيعاً محتقراً. كان الفقر جزءاً من آلام المسيح إذ افتقر من أجلنا كما اشار بولس الرسول فى (2كو 9:8). ولكن الفقر لا يحتم علينا بطبيعة الحال أن نلبس الخرق البالية أو نعيش فى الأقذار، وإنما يعنى عدم وجود ذخيرة للمستقبل، كما يعنى نبذ وسائل الرفاهية. وقد أشار أندرو مورى إلى أن الفقر الذى عاش فيه الرب وتلاميذه كان اساس نجاحهم فى إتمام عملهم. فمن أراد أن يربح إنساناً عليه أن ينزل إليه كما فعل السامرى الصالح. والمعروف أن معظم الناس، بل الأغلبية الساحقة منهم، فقراء.

يقول بعض الناس أن هناك ممتلكات مادية معينة ضرورية للحياة وهذا صحيح. ويقولون أن رجال الأعمال المسيحيين فى الوقت الحاضر يحتاجون إلى راس مال ليستطيعوا القيام بعملهم وهذا صحيح. 

ويقول الناس أن ثمة مطالب مادية أخرى، مثل السيارة، يمكن أن تستخدم لمجد الله. وهذا أيضاً صحيح.

لكن فيما عدا هذه الضروريات الجائزة، على المسيحى أن يعيش باقتصاد وتضحية لنشر الإنجيل وأن يكون شعاره كما قال غروفز: ” اعمل بقوة – استهلك قليلاً – وأعط كثيراً – وكل ذلك لأجل المسيح “. فكل منا مسئول أمام الله عن معنى :” تـرك كل شئ”

وليس لمؤمن أن يُشرع لآخر، بل على كلٍ أن يتصرف بحسب اختباره الخاص أمام الرب. فهذا أمر شخصى ذو علاقة فردية بين الإنسان وربه. فإن قاد الرب مؤمناً إلى نوع من التكريس غريب عن إختباره الخاص فليس له أن يتكبر لأن تضحياتنا كلها لا تحسب تضحيات فى ضوء الجلجثة. وعلاوة على ذلك فنحن إنما نعطى الرب ما لا نستطيع أن نحتفظ به على أى حال وما قد فقدنا حبه والتعلق به. وما أجمل ما قاله جيم إليوت فى هذا الصدد ” ليس غبياً من يعطى ما لا يستطيع ان يحتفظ به، ليربح ما لا يستطيع أن يفقده.”

ابو اسحاق

الكنيسة العربية في انتويربن 2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة

Scroll to Top