أحدث المقالات
أية اليوم
“إِلَّا أَنَّ الرَّبَّ أَمِينٌ؛ فَهُوَ سَيُثَبِّتُكُمْ وَيَحْمِيكُمْ مِنَ الشَّرِّ.” ‮‮تسالونيكي الثانية‬ ‭3:3 .

اتصل بالكنيسة

الإيمــــــــــــــــان

K33

ابو اسحاق – التلمذة

الإيمــــــــــــــــان

تتوقف التلمذة على الإيمان الصادق العميق بالله. فمن أراد أن يقوم بأعمال عظيمة جبارة لله عليه أن يثق فيه ثقة تامة. فإن ” كل رجال الله العظام كانوا دائماً وأبداً أناساً ضعفاء قاموا بأعمال عظيمة لله لأنهم اعتمدوا على الله المساند لهم”، كما قال هدسون تايلور.

يؤسّس الإيمان الحقيقى دائماً على وعد من مواعيد الله أو على فقرة من الكتاب المقدس. هذا أمر على جانب كبير من الأهمية، فالمؤمن يقرأ أو يسمع وعداً ما من الله، فيأخذ الروح القدس ذلك الوعد ويطبقه فى قلبه وضميره، فيدرك المسيحى أن الله قد كلمه مباشرة. وبثقة تامة فى الذى وعد وهو أهل لكل ثقة، يحسب المؤمن أن الوعد مؤكد ومضمون كما لو كان قد تم فعلاً، ولو أنه يبدو مستحيلاً من وجهة النظر الطبيعية.

ولعل المؤمن يتأثر بوصية وليس بوعد ولا فرق بين الحالتين. فإن كان الله يأمر، فهو يمكنّنا من إتمام الأمر. فإذا أمر بطرس أن يمشى على الماء  فلبطرس أن يتأكد من نوال القوة التى يحتاج إليها لذلك (متى 18:14). وهكذا هى حالنا فإذا أمرنا أن نكرز بالإنجيل للخليقة كلها فلنا أن نتأكد من نوال النعمة التى نحتاج إليها لذلك.

والإيمان لا يُتمّم عمله فى دائرة الممكن، فلا مجد لله فى إتمام ما يمكن إتمامه بشرياً. إنما الإيمان يبدأ حيث تنتهى قوة الإنسان، أو كما قال جورج مولر “إن دائرة الإيمان تبدأ حيث تنتهى الممكنات، وحيث يفشل العيان والحس”. يقول الإيمان “أستطيع أن أتمم كل مستحيل”. قال ماكنتوش:” الإيمان ينزل الله إلى دائرة العمل، ولذلك لا يصعب عليه شئ، لا بل هو يهزأ بالمستحيلات. يرى الإيمان أن الله يحل كل مشكلة وكل صعوبة، إنه يضع كل أمر أمام الله فلا يهم الإيمان فى كثير أو قليل إن كان المطلوب ستمائة ألف ليرة أو ستمائة مليون. فإنه يعرف أن الله قادر على كل شئ وهو يسد كل أعوازنا. أما عدم الإيمان فيسأل: كيف يمكن هذا؟؟ وكيف يمكن ذاك؟؟ هو مملوء تساؤلات. أما الإيمان فله الجواب الأعظم والأوحد لألف كيف وكيف، وذلك الجواب هو الله”.

يستحيل بشرياً، أن ينجب ابراهيم وسارة ابناً، لكن الله وعد، ويستحيل عليه – بالنسبة لابراهيم – أن يكذب. “فهو على خلاف الرجاء آمن على الرجاء لكى يصير أباً لأمم كثيرة كما قيل هكذا يكون نسلك. وإذ لم يكن ضعيفاً فى الإيمان فلم يعتبر جسده وهو قد صار مماتاً إذ كان ابن نحو مئة سنة ولا مماتية مستودع سارة. ولا بعدم إيمان ارتاب فى وعد الله بل تقوى بالإيمان معطياً مجداً لله. وتيقن أن ما وعد به هو قادر أن يفعله أيضاً”.

إن الإيمان القوى، يرى الوعد، ويتطلع إلى الله وحده ويهزأ بالصعوبات، ويصيح قائلاً “لابد أن يتم”.

إلهنا إله تخصص فى إجراء المستحيلات (لوقا 37:1) لأنه “هل يستحيل على الرب شئ” (تكوين 14:18)، كلا !!! بل إن “غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله “

يتمسك الإيمان بالوعد ويقول “كل شئ مستطاع للمؤمن” (مرقس 23:9) ويهتف مع بولس قائلاً :” أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى” (فيلبى 13:4).

“الشك يرى الصعوبات، أما الإيمان فيرى الطريق: الشك يحدق بالليل، أما الإيمان فيرى النهار، الشك يخاف أن يخطو خطوة، أما الإيمان فيحلّق فى الأعالى، الشك يتساءل: من يصدق هذا؟؟ فيجيب الإيمان : أنا “

ولأن الإيمان يعنى خرق الأنظمة الطبيعية وتصديق الله لذلك يبدو غير معقول. ليس من المعقول أن يخرج ابراهيم وهو لا يعلم أين يتوجه، لكنه صدق وعد الله وأطاع أمره. وحسبه هذا (عبرانيين 8:11). وليس من الذكاء أن يهجم يشوع على أريحا بدون اسلحة قتالة (يشوع 1:6-20). فأهل العالم يضحكون على مثل هذه المغامرات الجنونية، لكنها أثبتت معقوليتها وتممت مأموريتها.

والحق يقال أن الإيمان هو عين المعقول. أليس من الصواب أن يثق المخلوق فى خالقه؟ هل من الجنون أن نؤمن بمن لا يمكن أن يكذب أو يتخلى أو يخدع؟ الثقة فى الله هى الأمر المعقول المنطقى المقبول، الذى يمكن أن يفعله الإنسان. فهو ليس قفزة فى الظلام، بل إنه يتطلب أقوى تأكيد وأعظم برهان، فيجد هذا التأكيد وهذا البرهان فى كلمة الله التى لا تسقط. وما من أحد وضع ثقته فى الله وخاب قط، ولن يخيب أحد يفعل ذلك، فالإيمان بالله لا تحدق به أية مخاطرات على الإطلاق.

الإيمان يمجد الله، ويضعه فى مكانه الصحيح، لأنه أهل للثقة التامة دون سواه. أما عدم الإيمان فيهين الله، إذ يتهمه بالكذب (1يوحنا10:5)، ويحد الإله القدوس (مزمور 41:78)، والإيمان يضع الإنسان أيضاً فى مكانه الصحيح كمعتمد على الله، متضع أمامه، ينحنى فوق التراب أمام الرب سيد الجميع.

الإيمان عكس العيان. يذكرنا بولس الرسول بقوله ” لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان” (2 كو7:5). والسلوك بالعيان معناه الاعتماد على وسائل منظورة والاستعانة بها، وتدبير احتياطات للمستقبل، واستخدام المهارة البشرية فى عمل الضمانات ضد الأخطار غير المنظورة. أما السلوك بالإيمان فهو عكس ذلك. هو الاعتماد على الله وحده فى كل لحظة. هو اتكال مستمرعلى الرب. فالجسد ينفر من موقف الاتكال الكامل على إله غير منظور، ويحاول أن يجد له وسادة يستند إليها ضد الخسائر المحتملة،وفى عدم استقراره يتعرض للانهيارات العصبية، لكن الإيمان يقفز بخطى ثابتة إلى الأمام إطاعة لكلمة الله، ويسمو فوق الظروف، واثقاً أن الرب يهتم بكل الاحتياجات. 

ولابد لله أن يجرب إيمان كل من تلاميذه فيجد – عاجلاً أم آجلاً – أن موارده البشرية قد بلغت نهايتها وانقطعت تماماً. وفى ضيقه المرير يحاول أن يلجأ إلى رفقاءه وأصدقائه. وأما أن يثق بالرب حقاً فيتطلع إلى الرب وحده.

إنى أهين الرب وأخدعه إذا أعلنت احتياجاتى لأصدقائى مباشرة أو غير مباشرة منتظراً معونتهم، فكأنى أصرح أن الله قد تركنى وخيّب أملى. فأكون بذلك قد حدت عن الينبوع الحى لالتجئ إلى آبار مشققة، ولأضع نفسى بين يدى المخلوق دون الخالق فأخسر بركات الرب وعطاءه واسلبه مجده وعظمته.

يجدر بكل تلميذ أن يطلب زيادة إيمانه (لوقا 5:17). فعليه بعد وضع ثقته فى المسيح، أن يسعى إلى مدها إلى سائر نواحى الحياة وإخضاعها لسلطانه وإمرته، ففيما هو يواجه المرض، والتجارب، والمآسى والأحزان، يتسنى له أن يعرف الله بطريقة جديدة واختبار أعمق وبهذا يتقوى إيمانه. وحينئذ “لنعرف فلنتتبع لنعرف الرب” (هوشع 3:6). وكلما زادت معرفته فى قوة الله وقدرته، تاق إلى مزيد من الثقة فيه للتغلب على أمور عظيمة.

وحيث أن الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله، فإن أقصى ما يتمنى التلميذ ينبغى أن يكون إشباع نفسه بالكتاب المقدس فيقرأه ويدرسه ويحفظه، ويلهج فيه نهاراً وليلاً، فهو خارطته ودليله، ومرشده وعزاؤه، ومصباحه ونوره.

وفى حياة الإيمان يوجد دائماً مجال للتقدم. فعندما ندرس ما حققه الإيمان، ندرك إننا أطفال نلهو على شاطئ محيط لا نهاية له ولا حدود. وقد ذكرت بعض أعمال الإيمان الجبارة فى عبرانيين 11، ووصلت إلى الذروة فى الأعداد 32-40 ” وماذا أقول أيضاً لأنه يعوزنى الوقت إن أخبرت عن جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والأنبياء. الذين بالإيمان قهروا ممالك، صنعوا براً، نالوا مواعيد، سدوا افواه أسود، اطفأوا قوة النار، نجوا من حد السيف، تقووا من ضعف، صاروا أشداء فى الحرب، هزموا جيوش غرباء، أخذت نساء أمواتهن بقيامة. وآخرون عذبوا ولم يقبلوا النجاة لكى ينالوا قيامة أفضل . وآخرون تجربوا فى هزء وجلد ثم فى قيود أيضاً وحبس. رجموا، نشروا ، جلدوا، ماتوا قتلاً بالسيف، طافوا فى جلود غنم وجلود معزى، معتازين، مكروبين ، مذلين. وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم. تائهين فى برار وجبال ومغاير وشقوق الأرض. فهؤلاء كلهم مشهود لهم بالإيمان لم ينالوا الموعد إذ سبق الله فنظر لنا شيئاً أفضل لكى لا يكملوا بدوننا” 

وفى الختام، نقول إننا ذكرنا، فى ما سبق، أن العالم يعتبر تلميذ المسيح الذى يسلك بالإيمان حالماً أو متعصباً، بل قد يعتبره المسيحيون الآخرون كذلك. ومن المستحسن أن تُقتبس كلمة .. ماكنتوش فى هذا الصدد

 ” إن الإيمان الذى يمكـّن الإنسان من السير مع الله يمكـنّه أيضاً من تقويم أفكار الناس وتقديرها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة

Scroll to Top